مع إشتداد وتيرة حرب الاخرين على ارضنا، وليس كما يطلق عليها الكثيرون تسمية  الحرب الاهلية، بحيث قاوم حزب الكتائب آلة الحرب الفلسطينية التي ارادت احتلال لبنان بدلاً عن فلسطين الضائعة.
ومع دخول الجيش السوري الى لبنان في كانون الثاني 1976 تحت غطاء الجامعة العربية ليضع بحسب ما زعم حداً للنزاع العسكري في لبنان، بدأت الخلافات السياسية الكبيرة بالظهور بين رئيس الجمهورية أنذاك الياس سركيس وسوريا التي ارادت فرض الهيمنة، ثم توسعت الخلافات السياسية السورية لتطال الجبهة اللبنانية، في ظل  إشتداد المعارك ضمن مناطق عدة ، بسطت سوريا سلطتها على كل لبنان حتى العام 1977، بما يشبه سلطة الاحتلال ، فأخذ  حينها حزب الكتائب يستعد لمواجهة جديدة ومن نوع آخر، لانه فهم قواعد اللعبة السورية ومدى اطماعها بلبنان .
في نيسان من العام 1978 عادت خطوط التماس الى عين الرمانة لتشتعل من جديد، فسقط القناع عن الوجه السوري فبدأ بقصف المراكز الكتائبية و الأحياء السكنية في عين الرمانة وفرن الشباك  ما ادى الى سقوط اعداد كبيرة من الشهداء والجرحى المدنيين، تبع ذلك بعد اشهر وتحديداً في حزيران مجزرة القاع ورأس بعلبك في البقاع الشمالي، حيث قام الجيش السوري بإقتياد ثلاثة واربعين كتائبياً من بيوتهم وتمت تصفيتهم بطريقة وحشية.

خويري يروي قصة الصمود المسيحي
كل ذلك ادى الى تفاقم الوضع اكثر، فوصل التدهور الى حرب المئة يوم ، بحيث عاشت المناطق المسيحية ملحمة بطولية انتجت مقاومة لا مثيل لها، من خلال سلسلة مواجهات عنيفة دارت بين جيش الاحتلال السوري والمقاومين الكتائبيين في مناطق الاشرفية وفرن الشباك وعين الرمانة، بدأت في الاول من تموز وإستمرت حتى منتصف شهر تشرين الاول وشملت ضمنها كل المناطق المسيحية ، بحسب ما يروي لموقعنا رئيس اقليم كسروان الكتائبي سامي خويري الذي كان قائداً لفرقة ال "ب .ج" التي تحولت الى فرقة من المغاوير حينها ، يقول خويري:" بعد انتهاء حرب السنتين كانت النار تحت الرماد والرئيس الياس سركيس لم يستطع تحقيق السلام المنتظر في لبنان، بسبب الوضع القائم حينها والتراكمات والخلافات التي شهدها لبنان، فعادت خطوط التماس وانقسمت بيروت بين شرقية وغربية، ودخلت قوات الردع العربية التي كانت تحوي القسم الاكبر منها من الجيش السوري، فتمركزت في الاشرفية واقامت الحواجز في المنطقة، إضافة الى تواجدها في الكرنتينا وكسروان وضهور الشوير وصولاً الى البقاع مع اسلحة ثقيلة ودبابات، ما انتج نوعاً من الهيمنة وعدم الثقة، وكان الشيخ بشير الجميّل حينها قائداً للمجلس الحربي، وصودف مروره في تلك الفترة على حاجز سوري في منطقة ساسين، فتم إنزاله والتدقيق بهويته فحصل تلاسن وإستنفر الشباب الكتائبيون، لان هذا الامر لن يمّر مرور الكرام اذ تمت إهانة قائد المقاومة اللبنانية الشيخ بشير، فتم تطويق الحاجز من قبل المقاتلين الكتائبيين وإشتعل الوضع الذي كان اشبه بحرب الشوارع ، ما ادى الى تدهور امني كبير وقصف مدفعي سوري عنيف طال كل المناطق المسيحية من بيروت الشرقية الى المتن وكسروان، فكان القصف العشوائي وإنقطاع الامدادات وسقوط الشهداء والجرحى بالمئات، واصفاً الذي جرى حينها بحرب لا مثيل لها ومقاومة لا مثيل لها ايضاً ادت الى تراجع السوريين وإنسحابهم الى برج رزق وبيروت الغربية، فيما قام المقاتلون الكتائبيون بإزالة قوة سورية بقرب جسر الكرنتينا ، ما اعطى صموداً كبيراً من قبل وحدات المغاوير الكتائبية ، مشيراً الى ان القصف الوحشي طال كل المناطق الشرقية في ظل تضامن مسيحي قوي مع الشيخ بشير والمقاومة اللبنانية من قبل الاهالي .

1 تموز – 8 تشرين الأول 1978
يتابع خويري سرده للتاريخ المقاوم ، ويقول:" على الرغم من كل الاتصالات والنداءات المحلية والعربية والعالمية وعلى أعلى المستويات التي شارك فيها قداسة البابا بولس السادس والأمين العام للأمم المتحدة كورت فالدهايم، التي دعت القوات السورية لوقف قصفها العشوائي للأحياء السكنية، ظلت المنطقة الشرقية تحت رحمة النار والبارود، فيما أصرّت سوريا على موقفها القاضي بإعلان الرئيس الياس سركيس التغطية المطلوبة لعمل قوات الردع العربية، وبحقها في الإنتشار على كل الأراضي اللبنانية، وعلى الرغم من إنتشار خبر إستقالة الرئيس سركيس، بقيت المنطقة الشرقية في اتون النار دون أي أمل بوقف القصف ، حينها أجمعت القيادات اللبنانية على رفض إستقالة الرئيس سركيس، وتوسعت الاتصالات وشملت عواصم عربية خاصة الرياض والكويت، فوافق الرئيس سركيس على متابعة مهماته، وتقرر أن تباشر وحدات من قوى الامن الداخلي اللبناني الانتشار في بعض شوارع بيروت الشرقية، بعد أن تقوم القوات السورية بتجميع قواتها، فبدأت حينها هدنة قصيرة إستمرت اياماً معدودة، وعاد القصف السوري للاحياء السكنية في المنطقة الشرقية من دون ان يوّفر الكنائس والمستشفيات والسفارات ، وقدرّت مصادر أمنية لبنانية حينها عدد القذائف التي سقطت على الاشرفية وحدها قبل ساعات قليلة من موعد وقف إطلاق النار في الحادي والثلاثين من شهر آب 1978 بنحو 3 آلاف قذيفة مختلفة العيارات، وأسفرت اشتباكات ذلك النهار عن استشهاد الصيدلي ميشال بارتي أحد قادة المقاومة اللبنانية الموحدة  وقد أصيب أمام صيدليته في الاشرفية، وتابعت بعدها القوات السورية دك المنطقة الشرقية بالقذائف المدفعية والصاروخية بهدف فرض الإستسلام على الجبهة اللبنانية التي صمدت قياداتها بقوة .

مؤتمر بيت الدين
في 7 تشرين الأول من ذلك العام عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة صدر على أثرها القرار رقم 436 الذي طالب القوات السورية والقوات اللبنانية بالوقف الفوري لإطلاق النار، إبتداءً من الساعة الثامنة مساء ، اما صباح 8 تشرين الأول 1978 فقد بدأت مسيرة الحل السلمي، وفي منتصف تشرين الأول إنطلق الحل فعلياً، فإنعقد مؤتمر بيت الدين الذي ضّم إضافة الى لبنان وزراء خارجية أو ممثلين عن الدول العربية المشاركة في قوات الردع العربية عسكرياً، اي سوريا والسعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والسودان، وبعد مباحثات شاقة قرر المؤتمر تنفيذ مقررات مؤتمري القاهرة والرياض، وتنفيذ خطة أمنية جديدة لبيروت تقضي بإبدال الوحدات السورية المتمركزة في بيروت الشرقية ومداخل العاصمة الشمالية بوحدات سعودية.
كانت حصيلة تلك الحرب مفجعة، فسقط آلاف الشهداء والجرحى والمعاقين وخسائر مادية بملايين الدولارات، لكنها سطّرت ملحمة بطولية كبيرة فبدأت القوات السورية مغادرة المنطقة الشرقية، وانتشرت وحدات الدرك اللبناني والوحدات السودانية والسعودية المشاركة في قوات الردع العربية مكانها، وبعد أسابيع قليلة إنسحبت القوات السورية نهائياً من داخل أحياء بيروت الشرقية، ومداخل العاصمة الشمالية، وخففت تواجدها بشكل كبير في جميع الضواحي المسيحية لبيروت .
في الختام  ولمناسبة ذكرى حرب المئة يوم، لا بدّ من توجيه التحية الى كل الشهداء مقاتلين ومدنيين، ولا بدّ لكلمة الحق ان تقال، وان ُتعطى لشهدائنا الذين ضحّوا كي نبقى ويبقى لبنان...
صونيا رزق
المصدر: Kataeb.org