بضميرٍ مرتاح أقولها، نجح الترويكا حريري، بري، جنبلاط، في عرقلة الرئيس عون بما فيه كفاية.. لكن عون لم يقل كلمته الأخيرة.
سنة ١٩٩٢، في ظلّ الإحتلال، وكلّت السلطات السورية بعض الأشخاص الخاضعين لها بتكوين حكومة. شُكّلت هذه الأخيرة من ثلاث زعماء أساسيين وهم نبيه بري، رفيق الحريري، وليد جنبلاط - عرفوا لاحقاً بالترويكا - وقسمّوا ثروات البلد، وضعوا يدهم على الواردات من بنزين، مازوت، غاز، قمح، إسمنت، دواء، إستولوا على إيرادات الدولة كل واحدٍ بنسبة ووزعوا على بعضهم الصناديق والمجالس، وفرّقوا المال العام بنُسب. وظّفوا جمهورهم تحت معيار الولاء للزعيم، وعيّنوا قضاة، أجهزة، مدراء عامين وموظفين فئة أولى متخصصين في الخدمات والمحسوبيات والسياسات الخاطئة. بنوا شبكات الفساد في كل زاوية في الدولة. كرّس وزراؤهم النهج الريعي، وسياسة الإستدانة والخضوع والرضوخ للبنك الدولي، ما عرف بالحريرية السياسية، دون أي رقابة برلمانية جدّية. أغرقوا لبنان بالدين، ورفعوا في المجلس النيابي شعار "قاعدة الإثني عشر".
من المنفى، كان ميشال عون أول من أسقط "التابوو" عن لفظ عبارة "مكافحة فساد" في لبنان الطائف، ودشّن عهد استخدام المُصطَلَح إعلامياً في مقابلة ١٩٩٧ الشهيرة وفي مقابلة تلڤزيونية من فرنسا في ٢ أيار ٢٠٠٥ بعد خروج الإحتلال السوري وقُبيل عودته إلى لبنان. حينها استاء الترويكا من عودة ميشال عون وخطابه ووصفه أحدهم بالتسونامي.
ترأس عون جبهة المعارضة بورشة عمل إصلاحية، متقدّماً بمئات اقتراحات قوانين، الإخبارات والمواقف الرافضة لنهج الترويكا وحلفائها السائد الذين كانوا يحاربونه بالإشاعات والأكاذيب مستخدمين كافة الوسائل. من أهم محطات المعارضة، نذكر كتاب الإبراء المستحيل سنة ٢٠١٠ الذي تناول جميع السياسات الخاطئة التي بدأتها الترويكا برئاسة الحريري والكثير من ملفات الفساد المتعلقة بجماعتهم، محذراً عون في حينها من الإنهيار واضعاً كل شخص عند مسؤولياته ورافضاً المساومة على أي هدر قد حصل. إنتقدوه عندها وسموا الكتاب ب "الإفتراء المستحيل". وها نحن اليوم وصلنا إلى ما حذر منه عون بعد استلشاء الترويكا في القيام بمسؤولياتها.
بعد حوالي عقدٍ في المعارضة، أصبح عون على رأس الدولة مفتتحاً ولايته بخطاب قسم يمهّد مسيرة التغيير والإصلاح واستئصال للفساد.
ثلاث سنوات مرّت على ولاية عون والحرب عليه وعلى فريقه ما زالت قائمة والظروف صعبة. غَضَبُ الشارع انفجر بثورة هزّت جميع الزعامات تحت مطالب معيشية وإصلاحية رافضين النهج المتّبع.
ارتبك أفراد الترويكا: استقال واحدٌ لإخراج باسيل بسبب عمله الجاهد لكسر احتكاراتها ومحاسبة رموزها، هرب آخر. بعدها، اختبئوا خلف الثورة مستغلّين وجع الناس لمحاولة فرض عودتهم على حصان أبيض. بدأت مرحلة الإستشارات، تمسكت الترويكا بالحريري، ثم انصرفوا كل واحدٍ في إتجاه: بري سمّى دياب، الحريري لم يسمِّ أحد، وجنبلاط سمّى سلام. كُلّفَ دياب وبدأ بالتكنوقراط. وبعد أسبوعين على التكليف ومحاولة التأليف تقلّبت الظروف الإقليمية. حزب الله المعني الأول بالوضع الإقليمي، حيّد لبنان عن نيران المنطقة. لكن هناك من اشتاق لبقية أعضاء الترويكا، فبدأ بالتصريح عن التكنوسياسية متحججاً بالإقليم. فمن ناحية طالب بري ب "لمّ الشمل" أي الوحدة الوطنية مفكراً بإعادة الحريري وجنبلاط للحكومة لحماية مصالحهم واثقين أن الوطني الحر لن يشارك بتلك الحكومة، ومن ناحية أخرى تأخرّ وزير بري بفتح اعتمادات الفيول، وغرّد جنبلاط ضد وزيرة الطاقة العونية معبّرين عن انتقامهم وغضبهم بعد أن كسرت كارتيل البنزين والمازوت واضعةً حد لاحتكارهم. كان رد عون بالموافقة على التكنوقراط، وتمسك التيار بخياره نحو الأخصائيين. فاجأ دياب وحزب الله بري بتمسكهم بالتكنوقراط مهما كلفّ الأمر.
الإستقالة ومحاولة إخراج باسيل وفريق الرئيس من الحكومة وضع الحريري، وجنبلاط خارج الحكومة وفرض على بري خيارين: إما وزير غير حزبي إختصاصي، إما الخروج، وكل هذا تحت ضغط الحليف، المكلّف، عون وفريقه، والشارع.
أما البارحة فأزمة بري تفاقمت، وقام بتصريحات عن إمكانية عدم دخوله الحكومة مستعملاً أدواته كسليمان فرنجية للتعبير عن أزمته تحت حجة باسيل.
السؤال يطرح نفسه: هل ستكون نهاية الترويكا والحريرية قريبة بعد سيطرة كاملة على السلطة دامت ٢٨ سنة؟
أخيراً، عون متمسك بشعاره الأساسي مكافحة الفساد، مستخدماً دماغه السياسي لوضع حد لهذا النهج السائد التقليدي نحو لبنان قوي