لم يعد خافيا على أي مراقب سياسي ، أن للادارة الأمريكية الجديدة ، بقيادة بايدن ، خطة عمل و نظرة استراتيجية للشرق الأوسط مغايرة تماما لخطة الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة الرئيس ترامب الذي بدأت ، أمس الثلاثاء ، محاكمته بتهمة التحريض على اجتياح الكابيتول ..

كما أنه لا يخفى على أحد ، أن تلك الخطط الاستراتيجية كانت جاهزة سلفا قبل لفظ نتيجة الانتخابات الأمريكية بأشهر ، و الدليل على ذلك كمية الأوامر التنفيذية الرئاسية التي اقرها بايدن خلال اول ٤٨ ساعة من دخوله البيت الأبيض و التي شملت قضايا منتشرة على جغرافيا العالم بأكمله ، بدءا بالعودة إلى الاتفاقيات الدولية التي خرج منها ترامب ، وصولا إلى القبول بالبنود الروسية لمعاهدة ستارت دون أي تعديل ، وصولا إلى إزالة الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة الأمريكية و المكسيك و غيرها ،
مما يدل أن للولايات المتحدة الأمريكية مقاربات جديدة لمعالجة القضايا الدولية مغايرة و مناقضة تماما لتلك التي اعتمدها فريق ترامب عشوائيا ..
و عليه ، فالشرق الأوسط له ، بالطبع ، حصة الأسد من ذلك التغيير لما يشكله من ثقل سياسي اقتصادي في الأجندة الأمريكية .. و لتحقيق هذه النقلة الاستراتيجية في السياسة الشرق اوسطية الجديدة ، لا بد من ضرب الحلف السياسي الثلاثي الذي تمثل بحلف " ترامب - نتنياهو - بن سلمان " و الذي اعتمد على بناء سياسة شرق أوسطية له ، عامودها الأساسي هو " محاربة إيران " ..
من هذه الزاوية السياسية يجب قراءة المفاعيل السياسية للقرارات و التصريحات التي تعتمدها و تطلقها إدارة بايدن و التي ستودي ، في نهاية المسار ، إلى إزاحة نتنياهو عن عرش إسرائيل و محمد بن سلمان عن عرش السعودية ..
فليست إسرائيل أو المملكة السعودية مستهدفة من سياسة بايدن بالطبع ، بل الممسكين بزمام أمورهم ..
تقرأ الضغوط على نتنياهو التي تمارسها إدارة بايدن حتى الآن بسلسلة خطوات ابرزها تمنع بايدن ، حتى الآن ، من الاتصال بنتنياهو الذي يخضع حاليا لمحاكمات داخلية بتهم الفساد تواكبها مظاهرات شعبية تطالب بتنحيته ،
كما يلحظ الكلام الذي اصدره وزير الخارجية الأمريكية بلينكن عن عدم اعترافه بقرار ترامب الذي قضى بضم الجولان إلى إسرائيل مع تشديده بأن الجولان يشكل أهمية استراتيجية لأمن إسرائيل ،
و هو ما يترجم بفصل مصلحة إسرائيل عن مصلحة نتنياهو الذي كان الوحيد الذي تولى الرد على كلام بلينكن ..
اما بالنسبة لمحمد بن سلمان ، تحركت الإدارة الأمريكية على وتر موضوعين حساسين يتعلقان بولي العهد شخصيا ،
الأول هو إطفاء الحرب التي اشعلها الولد المدلل في اليمن مع التشديد على إبقاء الحماية للمملكة السعودية ،
و الثاني هو موضوع حقوق الإنسان في السعودية الذي سيشكل باب للدخول على قضية اغتيال جمال الخاشقجي التي جهزت المخابرات الأمريكية ملفاتها و معلوماتها لعرضها على مجلس النواب و الكونغرس الأمريكي ، في وقت منعت من ذلك على ايام ترامب ..
محاكمة ترامب في أمريكا و حصار نتنياهو السياسي في إسرائيل ثم حصار محمد بن سلمان في السعودية ،
سيقابله فك الحصار عن إيران عبر العودة إلى مفاعيل الاتفاق النووي الموقع دوليا ،
و ذلك لضرب العنوان الرئيسي لسياسة الحلف الثلاثي
" ترامب - نتنياهو - بن سلمان " ..
هذه العناوين ستكلل عمل الإدارة الأمريكية القادمة التي ستعيد ترتيب الشرق الأوسط بناء على أولوية مصالحها و صراعاتها و في طليعنها الصراع الاقتصادي مع الصين ..
و ليس سرا ، أن ترتيب الصراع مع إيران يتطلب حكما ترتيب الصراعات التي تعني إيران في المنطقة ،
و ها هي قد بدأت في اليمن ، و ستكمل إلى العراق ، فسوريا وصولا إلى فلسطين و بالطبع لبنان ،
فالادارة الأمريكية الجديدة ، بعكس السابقة ، ستتبنى في الشرق الأوسط سياسة " الاقتراب من العدو " و لو أدى ذلك إلى مشاركته في حكومات المنطقة ، لأن الابتعاد عنه سيدفع المارد الصيني إلى احتضان ما تبقى من الشرق الأوسط ..
ترامب يحتضر سياسيا في الداخل الأمريكي ،
بن سلمان يبحث عن مخارج داخلية هو الآخر ،
يبقى نتنياهو يراقب احلامه تتبدد ..
هل يقدم على عمل ما يفجر طاولة بايدن ؟a