جبران باسيل

 في ما يلي كلمة رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل في مؤتمر النازحين: 

معالي الوزراء، سعادة النواب والسفراء والحضور الكرام،

ارّحب بكم باسم التيار الوطني الحر واشكر تجاوبكم مع الدعوة واخص بالشكر صديقي بيتر وزير خارجية هنغاريا الذي خصّنا بهذه الزيارة والحضور وما تركنا مرّةً دون اهتمام ومحبة؛ (كذلك اشكر وزير خارجية تركيا اضافة الى دول الجوار لأزمة النزوح وتحديدا العراق وقبرصوسوريا نفسها).

ضيوفنا،

لقد مرّ على ازمة النزوح السوري اكثر من عشر سنوات وما نبّهنا منه انّه تهديد وجودي ليس مؤقتاً، تأكّد انه ازمة كيانية طويلة الأمد. مشهديّة تدميرية دمويّة نكبت سوريا ولبنان (والجوار معها)، ولمّا رفعنا الصوت محذّرين من فتح الحدود، بلا حدود، اتُّهمنا بالعنصرية، حتّى تسلّل الارهابيون تحت عباءة النازحين واحتلّوا ارضنا في شرق البلاد. العنصريّة ليست في رفض استضافة نزوح جماعي عشوائي ومبرمج، بل هي في تفريغ الأرض من عناصرها البشرية ودفعهم للاستيطان في دولة اخرى ارضها لا تتسع لسكانها، ومواردها لا تكفي حاجاتهم. فتقع عندها الأزمة بين نازح سوري – ضحيّة يبحث عن ارض ومورد رزق، وبين مضيف لبناني - ضحيّة يترك ارضه بحثاً عن لقمة العيش. انّ تغيير النسيج الديمغرافي وضرب الهويات الوطنية هو العنصرية، واستغلال ضحايا لعبة الأمم على طاولة رسم الخرائط  والمصالح هو المؤامرة بذاتها. 

نحن في التيار الوطني الحر رفضنا وتصدّينا، وقرارنا "ألا نتخلّى عن أحد"، لا عن النازح ولا عن المضيف طالما الاثنين ضحيّة. 

لن نتخلّى عن حق النازحين في العودة، فهناك وطنهم وكرامتهم. 

1- "لن نتخلّى عن أحد" هو شعار لا يكفي ان ترفعه الأمم المتحدة بل ان تطبّقه مع النازحين بدعم عودتهم ومع المضيفين بتحمّل الأعباء عنهم. 

2- "لن نتخلّى عن أحد" بأن تتأمّن شروط العودة الكريمة والآمنة، وتسجيل الولادات لضمان الحقوق في الهوية السورية، دون ان تنفجر في وجهنا غداً قضية جديدة عنوانها مكتموا القيد او طالبوا التجنيس، فلبنان وطن الميثاق لا يمكنه ان يكون بلد توطين. ولذلك تقدّمنا باقتراح قانون يقضي بعدم منح الجنسية اللبنانية لمكتومي القيد من مواليد 2011 وما بعد. 

3- "لن نتخلّى عن أحد" معناها ان كل نازح يغادر لبنان الى سوريا لا يمكنه ان يعود الى لبنان بصفة نازح، فلبنان الغارق في ازماته (المالية الاقتصادية) لا يمكنه ان يكون بلد لجؤ سياسي. 

4- "لن نتخلّى عن أحد" معناها ان للبناني الحق في الحصول على فرصة عمل بينما قوانيننا تحرّم الأجانب من مزاولة بعض المهن، ومن يخالفها هو مرتكب (ومن يطالب بتطبيقها ليس عنصري)؛ ولذلك تقدّمنا باقتراح قانون يجرّم ويغرّم كل نازح سوري مسجّل ويستفيد من تقديمات دوليّة ويقدم في الوقت نفسه على العمل (بحسب تعريف القانون اللبناني).

5- "لن نتخلّى عن أحد" معناها، ان كل سوري مسجون بناءً على حكم قضائي يجب اعادته الى بلده (لأنّه ليس نازحاً ولا طالب لجؤ بل مجرم)- ولذلك تقدّمنا باقتراح قانون تعديل قانون تنظيم الدخول الى لبنان (والاقامة فيه والخروج منه)، ويقضي، بإعادة فورية للداخل غير الشرعي، وبسجن من يقوم بتهريب او تسهيل دخول اجانب بطريقة غير شرعية. 

6- "لن نتخلّى عن أحد" تعني التواصل مع الجميع لحل ازمة النازحين، وعلى رأسهم الدولة السورية المعنية الأولى بعودة شعبها، فلا يدفن لبنان رأسه في الرمال الدولية، خوفاً او تواطؤاً، متجاهلاً ان سوريا تمتد على كامل حدودنا شمالاً وشرقاً وهي مدخلنا البري الى العمق المشرقي والعربي. 

7- "لن نتخلى عن أحد" تعني ان العودة حتميّة لمن لا خطر على حياته، وليست طوعية فالنازح ليس مهاجر باحث عن فرصة عمل، وطالما انتفت اسباب نزوحه صار من حقه العودة ومن واجبنا تأمينها. 

ان لبنان ملتزم بمبدأ "عدم الإعادة القسريّة"، الاّ ان "الطوعيّة" لا تعني تأبيد النزوح في حال عدم توفر شروطه – كما انّ المبدأ المعتمد دولياً هو ان اللاجئ الذي يعود الى بلده الذي هرب منه يفقد صفة لاجئ طالما انه قادر على العودة بشكل آمن اليه. كذلك، وبحسب UNHCR: "يحق للدول بموجب القانون الدولي طرد الأشخاص الذين يتبيّن انّهم ليسوا بحاجة الى حماية دولية وانّ من واجب بلدان الأصل ان تستردّ مواطنيها، (ويجب ان تتم العودة بطريقة انسانية مع احترام كامل لحقوق الانسان وكرامته). وهذا ما تمارسه عدّة دول اوروبية (منها اليونان وبريطانيا وغيرها).

لذلك على المجتمع الدولي ان يتوقّف عن الضغط على لبنان وعن تمويل اقامة النازحين على ارضه وعن تخويفهم من العودة الى ارضهم، فيما هو يخشى هجرتهم صوبه، ومراكب اليأس تحمل صوبه الفقراء المنعدمي الأمل وطالبي اللجوء؛ بل على المجتمع الدولي ان يموّل العودة الآمنة والكريمة ويزيد المساعدات التي تطال اعادة الاعمار الانساني(Humanitarian Reconstruction) و (Early Recovery Assistance)، وذلك لتهيئة ظروف العودة دون ربطها بالحل السياسي، وكذلك يعيد تأهيل القرى في سوريا وخاصةً القريبة منّا؛ ونرى هنا ان التقارب السوري - التركي هو مؤشّر ايجابي ومساعد كون عودة النازحين هي احد اهم عناصره. 

كذلك على الحكومة اللبنانية ان تطبّق "خطّتها" حول العودة، وان تعمل فوراً على اعادة المسجونين الخطيرين، وان تستعيد حقها بتحديد من تنطبق عليه صفة "نازح" (وليس نازح اقتصادي)، وان تطبّق القوانين اللبنانية والدولية في هذا المجال من خلال مشاركتها الداتا الكاملة من قبل الـ UNHCR، واستعمالها اولاً بوضعها على المعابر الحدوديّة لمنع دخول اي سوري الى لبنان يحمل صفة نازح كونه عاد الى سوريا، او تخلّيه عن هذه الصفة، وهو ما من شأنه ان يعالج وحده اكثر من ثلث ازمة النزوح؛ وكذلك قيام الأمن العام في دوائره بتسجيل كافة السوريين المقيمين، والاّ اعتبروا مقيمين غير شرعيين وليسوا نازحين ويمكن في هذه الحالة اعادتهم، وهو ما يحل الثلث الثاني من الأزمة. ويبقى حلّ الثلث الأخير من خلال تمويل وتأمين العودة الكريمة بالتنسيق ما بين الدولتين اللبنانية والسورية والأمم المتحدة. 

ضيوفنا، لقد اثبت اللبنانيون انّهم شعب ليس فقط مضياف بل مسالم ايضاً، حيث لم يعتدي يوماً على نازح سوري (لا بل تم التعاطف معه عند وقوع اي حادث ضدّه)، بالرغم من وجود اسباب كثيرة لوجود تنافر سوري – لبناني تخطّيناه بانسانيّتنا ومحبتنا وجيرتنا؛ الاّ انّه لا يمكن الرهان على هذا، لأن الأمور ستنفجر دون امكانية لضبطها، حيث لا يمكن للأمم المتحدة معاملة لبنان وكأن ليس له وضع خاص به سياسياً واقتصادياً ومالياً وامنياً وديمغرافياً (من ناحية المساحة والموارد)– لبنان ليس له على السوريين ولكن له الكثير على المجتمع الدولية الذي عليه ان يعمد الى شطب ديونه الخارجية او تسديدها عنه في مقابل كل الأعباء التي تحمّلها. (فوق الـ 50 مليار دولار).

نعم لبنان دولة مانحة وليست مضيفة فقط، لأن اعباءها تخطّت بكثير المساعدات المقدّمة لها،

نعم لبنان لا يشحذ بل يطالب بحقّه. 

ليس من دولة في العالم يمكنها ان تتحمّل 200 نازح بالكيلومتر المربّع دون ان تنهار – لبنان فعل وحمل وتحمّل ولا زال يحبّ ويعطي...! ولكن الى متى؟ 

شكراً