مثل خطاب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، الذي تجسد في رسالتين مفتوحتين متزامنتين إلى رؤساء السلطات الثلاث، خطوة استراتيجية مدروسة تهدف إلى إعادة تحديد محاور الصراع الداخلي. ففي ظل الانهيار المالي والجمود الدستوري، اختار جعجع توجيه رسائل لا لبس فيها حول الأهداف الاستراتيجية. جعجع وضع اصبعه على جرح البلد ووجه رسائله، كعادته بحنكة ووضوح، على اكثر من صعيد.
مصادر سياسية تقرأ رسائل جعجع خلال المؤتمر العام للقوات، وتعتبر أن الرسالة الموجهة إلى رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام هي الأكثر ثقلاً على المستوى الاستراتيجي، حيث وضع جعجع مباشرةً التنظيم العسكري والأمني للحزب في صلب الأزمة اللبنانية، هذه الخطوة تعكس رغبة “القوات” في فرض أولوية نزع السلاح غير الشرعي كـ”مقدمة إجبارية لأي انفراج مالي واقتصادي”.
تضيف المصادر عبر موقع القوات اللبنانية الالكتروني: “الهدف الاستراتيجي هنا هو منع تذويب مشكلة السلاح في سلة حوارات واسعة وغامضة، فمن خلال ربط الانهيار الاقتصادي بالوجود المسلح، حصّن جعجع موقفه السيادي الذي لا يقبل المساومة على حصرية قرار الحرب والسلم بيد الدولة، كما أن التلويح بـ”التاريخ الذي لا يرحم” للرئيس ورئيس الحكومة هو محاولة لتحميل السلطة التنفيذية مسؤولية الشلل، وإجبارها على تبني موقف سياسي حاسم تجاه “اللاشرعية”.
تلفت المصادر الى أن جعجع وضع خطوطاً حمراء واضحة عبر المطالبة بتصميم سياسي واضح وعدم الاكتفاء برمي الكرة في ملعب الجيش، وهذا مهم للغاية ويدل على احياء مفهوم الدولة الشرعية التي تتخذ قراراتها السيادية وتُلزم الجميع بتطبيقها، في تحدٍ مباشر لمنطق تجاهل قرارات الدولة الذي يحكم لبنان حالياً.
المصادر ذاتها، اعتبرت أن رئيس “القوات” صحح المسار، وفنّد بوضوح وأظهر أن الحل اللبناني ليس تقنياً أو اقتصادياً بحتاً، بل هو حل سياسي-أمني يتطلب حسم موضوع السلاح أولاً، وعندها ستتجه بقية الأمور والملفات نحو الحلحلة تباعاً، والاهم بالنسبة للمصادر، أن جعجع لا يتحدث من اجل الهجوم، بل لتصحيح الأمور التي يرى أنها تقتل الدولة، بدءاً من التعطيل الدستوري الذي يمارسه بري حول حق المغتربين بالاقتراع، وصولاً إلى الفوضى الأمنية المتمثلة بالحزب، والنجاح السياسي لهذه الرسائل لا يقاس بالاستجابة الفورية من الأطراف، بل بمدى نجاحه في تأطير الوعي العام بأن الطريق إلى الإنقاذ يمرّ عبر إنهاء هيمنة السلاح وإعادة تفعيل المؤسسات، مهما كان الثمن السياسي لهذا الوضوح.

0 Comments