ما حصل في مجلس الوزراء ليس “ملف تفرغ” ولا “دفعات أكاديمية”، بل انقلاب واضح ومباشر على التوازن الطائفي في الجامعة اللبنانية، أكثرمؤسسة وطنية جامعة في البلاد. فقرار تفريغ 1282 أستاذاً بالطريقة التي قُدِّمت، وبالأرقام التي ظهرت، هو فضيحة سياسية مكتملة الأركان لا يمكن تمريرها بالسكوت أو التبرير.
الأرقام صادمة ومكشوفة:
70.1% من المسلمين مقابل 29.4% فقط من المسيحيين.
40% شيعة، 25.8% سنّة، والباقي موزّع على نحو غير متوازن تماماً.
وفي المقابل، لا يتعدى عدد الأساتذة المسيحيين المستوفين للشروط 377 أستاذاً من أصل 1282.
هذه ليست مصادفة، بل اختلال فجّ يضرب قلب التوازن الوطني ويغيّر هوية الجامعة وملاكاتها لعقود قادمة. فكيف تمّت الموافقة على هذا القرار؟ وكيف جلس الوزراء المسيحيون في الجلسة نفسها من دون أن يرفعوا الصوت أو يعترضوا أو حتى يطلبوا تجميد الملف؟
والأخطر: كيف وافق رئيس الجمهورية على خطوة بهذا الحجم، وهو المؤتمن دستورياً على التوازن والشراكة؟
المسؤولية هنا ليست تقنية ولا إدارية. إنها مسؤولية سياسية ودستورية كاملة. والسكوت عن هذا الخلل هو تغطية لخرق ميثاقي صريح. لأن ما يجري ليس تعيين موظف هنا أو نقل موظف هناك، بل إعادة تكوين جسم الجامعة اللبنانية بطريقة تطيح بأساس الشراكة وتحوّل الجامعة إلى جسم مشوَّه بتوازن مختلّ، لا يمكن إصلاحه لاحقاً بسهولة.
أما الآلية التي قدّمتها وزيرة التربية، القائمة على الأقدمية ثم “تصحيح رمزي” في العدد الإجمالي، فهي باب مشرّع لتكريس الخلل، لا لتصحيحه. أي أنها تُبقي الاختلال داخل الكليات كما هو، ثم تجري عملية “رتوش” شكلية على المجموع النهائي فقط.
إليك النص نفسه بصياغة مختلفة، أشدّ هجومية، ودون تعداد نقطي:
المطلوب الآن، ومن دون أي تأخير أو تردّد، هو وقف هذا الانقلاب على التوازن الوطني بكل الوسائل. يجب أولاً تجميد قرار مجلس الوزراء فوراً ومنعه من أن يأخذ طريقه إلى التنفيذ، لأن مروره يعني تثبيت خلل خطير سيصعب تصحيحه لاحقاً. ثم يأتي الدور على إعادة فتح كل اللوائح والتدقيق بها طائفياً ومذهبياً، اسماً اسماً وكليةً كلية، لكشف حجم الانحراف الذي تم تمريره تحت غطاء إداري شكلي.
كما أصبح ضرورياً وضع معايير واضحة وحاسمة تفرض توازناً فعلياً لا مجرد قشرة شكلية، قبل الإقدام على أي تفريغ أو تثبيت جديد. وعلى الوزراء المسيحيين أن يتحمّلوا مسؤولياتهم كاملة، لأن استمرار هذا المسار يشطب حضورهم ودورهم في الجامعة ويحوّلهم إلى شهود زور على عملية إقصاء موصوفة. والأخطر من ذلك، أن رئيس الجمهورية نفسه بات مطالباً بأن يقوم بواجبه الدستوري وأن يضع حداً لقرار يطيح بالميثاق ويزرع خللاً بنيوياً طويل الأمد في مؤسسة وطنية يفترض أن تكون نموذجاً للشراكة لا ساحة لتفجيرها.
ما يحصل يستدعي مواجهة واضحة وحاسمة، لا مجاملات ولا تبريرات ولا صمت قاتل.
إن ما يجري ليس مجرد ملف جامعي، بل اختبار حقيقي لمدى التزام السلطة بالتوازن الطائفي والدستور والميثاق الوطني.
والتساهل مع هذا الخلل سيشكّل سابقة خطيرة لا يمكن السكوت عنها تحت أي ذريعة، ويستوجب مواجهة سياسية وقانونية فورية.

0 Comments