Related image

في بدايات الحرب اللبنانية، حصل شجار بين طالبين في مدرسة الحكمة الأشرفية ينتميان إلى جهتين حزبيتين تطور إلى التهديد بإكماله في الشارع أمام المدرسة. بالفعل إتصل كل واحد منهما بمجموعة من رفاقه الحزبيين لملاقاته أمام المدرسة ساعة الخروج في اليوم التالي. وصل الخبر إلى السيدة رينيه خيرالله، رحمها الله، المعلمة التي كانت بمثابة أم لكل حكماوي حينها وكان لها الأثر الكبير في تنشأتنا على المستوى التربوي، وزرع حب الحكمة في قلوبنا، وهذا ما جعل أن يكون لها دالّة علينا جميعا. دق الجرس وكانت الساعة تشير إلى الرابعة بعد الظهر، وكان الجميع يترقب ما سيحصل أمام المدرسة. نزلت مدام خيرالله، هكذا كنا نناديها، إلى مدخل المدرسة وأوقفت الطالبين موضوع الخلاف، وبعد أن خرج جميع الطلاب أقفلت الأبواب لتبقى وحيدة معهما. في البدء حاولت أن تصالحهما بالكلام وبمونتها عليهما وبعد عدة محاولات وإزاء تعنتهما، خلعت حذاءها وبدأت بضربهما وهي تصرخ " مش هيك أنا ربيتكم يا عيب الشوم عليكم انتو إخوة إنتو حكماوية بدكم تقتلو بعضكم يا ..... إنقبروا فوتو قدامي عالصف" هكذا كان وأمام ذهولهما أدخلتهما أحد الصفوف وأقفلت الباب عليهما قائلة : " مش لح تطلعوا من هون قبل ما تبوسوا بعض وتتصالحو وتعرفوا إنو إنتماؤكم للحكمة أكبر من كل الأحزاب وتذكروا إنكم إخوة وعاملين أول قربانة سوا". ووقفت تنتظر في الخارج. إزاء هذا الوضع وقد بدأ الظلام بالهبوط وتحت تأثير ضربات حذاء مدام خيرالله ووقع كلماتها عليهما هي الأم المعلمة عادا إلى رشديهما ونادياها لتدخل فتجدهما متعانقين. ضمتهما إليها وهي تقول " هلق رجعتوا ولاد الحكمة وهيك بفتخر فيكم ما تخلوا حدا يفرقكم". 

قصة واقعية لن يدرك عمق معناها سوى من كان حكماويا عن حق تلميذا على مقاعد وكر النسور إرتوى من إكسير ناعورته العجيب. أسردها وانا أتساءل، ما أحوجنا اليوم إلى "حذاء مدام خيرالله" يعيدنا إلى رشدنا لندرك أن الحكمة أكبر منا كلنا ومن كل الأحزاب وأهم من كل الكراسي وهي أمانة في عنق كل واحد منا نحن أبناؤها ، فنعود موحدين نعمل معا، حيث ما كنا، لإعلاء شأنها والحفاظ على تاريخها. كلنا ذاهبون وهي باقية فلنترك إذا الأثر الحسن على صفحات تاريخها ومثالا صالحا لمن سيأتون من بعدنا فنستحق فعلا أن نكون أبناء لأم البنين قبل أن يحين الوقت ونمضي.

جورج شلهوب