لبنان هذا الذي ورثناه عن أسلافنا ما كان ليكون بهذا القدر من السوء لولا حكم العثمانيين لنا لمدة أكثر من ٤٠٠ عام.
فهذا القوم زرع في اللبنانيين روح الخيانة والتزلف والتلون والتصرف بحسب أمثال شعبية سطع نجمها في تلك الأيام ك " الإيد يلي ما فيك عليا، بوسا وإدعيلا بالكسر" و "الكذب ملح الرجال"...
لم تكن حقبة عادية من تاريخ لبنان، فالعثمانيون عبثوا قتلاً ودماراً في ارضنا المقدسة وهانا شعبنا وقتلوا ما قتلوه حتى وصل الإجرام معهم إلى قتل أكثر من نصف سكان جبل لبنان خلال الحرب العالمية الأولى.
لم يسلم أي لبناني من إجرام العثماني لأي طائفة إنتمى بل كانوا يعمدون إلى قتل مسلم مقاوم من هنا فيبحثون فوراً عن مسيحي مقاوم آخر لإعدامه في الوقت عينه.
ومثل كل إحتلال تكون المقاومة على عاتق قلة قليلة تعرف كيف تستلم زمام الأمور فالبطولة صفة خلوقية لا يمكن أن يتعلمها أحد ولا أن يكتسبها عبر الزمن. لمع نجم عائلات عديدة خلال الحكم العثماني فإستمدت قوة وسلطة من المحتل على حساب الشعب الكادح. من بين تلك العائلات "آل الخازن"، أو مشايخ آل الخازن لأنه لا يجوز أن نشمل كل فرد من تلك العائلة، فهؤلاء المشايخ في الأكثرية الساحقة منهم كانوا يهتمون وينكبون على إرضاء السلطنة العثمانية والافندم والوقوف إلى جانبها. ولكن الأمر لم يقف هنا، بل كان أيضا في تلك العائلة مقاومون يعرفون معنى الحرية ويناضلون من أجلها مثل فريد وفيليب الخازن وهما شهيدين سقطا على مذبح الوطن. بعد إعدام مقاومين مسلمين، بحث العثمانيون عن مسيحيين لإعدامهم وكانت جريمة فيليب وفريد رحمهم الله أنهم أجرا بحوث علمية وتاريخية اظهرت أن لبنان لم يخضع للفتح العثماني عبر التاريخ سوى نادراً وتم نشر هذه البحوث في جريدتهم الخاصة "جريدة الأرز".
حاول البطريرك الياس الحويك التوسط لدى العثمانيين لمنع اعدامهم ولكن عبثا حول مع المجرم جمال باشا السفاح والذي لم يرد على كتابين كان الحويك قد ارسلهما إليه فكانت معمودية الدم وسكت فيليب وفريد شهيدين على مذبح الوطن. تظهر بوضوح في كتاب الحويك الثاني لجمال باشا جملة ورد فيها: "ما ادته تلك العائلة من الخدم الجليلة للوطن العثماني في كل وقت"...
خدمة عائلة الخازن الوطن العثماني ولم تعرف معنى الوطن اللبناني ومثلها عائلات كثيرة تمكنت من جمع الثروات التي لا تحصى ولا تعد ولا تحرق ولا تغرق بفضل التواطؤ مع المحتل ودعمه على حساب لبنان وشعبه. نقول هذا الكلام اليوم لأن ما كان يحصل في الماضي هو مستمر اليوم ولكن بطرق أخرى فالمستقبل هو إمتداد للماضي وإن من جمع الثروات أيام المحتلين هو اليوم تمتع بها ويحسب نفسها بطلاً أو صاحب ذكاء مفرط فيحسبه الشعب مفكرا وصاحب رؤية وطنية...
أعزائنا القراء، إن الإقطاع الذي عرفه لبنان والذي أدى إلى ثورات عديدة في التاريخ لم ينشأ من العدم فهؤلاء الإقطاعيون أنفسهم هم خونة لبلادهم وهم للأسف ما زالوا يتربعون على عرش مجتمعات قبلية ترفض الترقي إلى مستوى حضاري مرموق...
وننشر والوثيقة تلك التي تحدثنا عنها أعلاه وهي الكتاب الثاني الذي أرسله البطريرك الحويك إلى جمال باشا من أجل رحمة الشهداء الأبرار فيليب وفريد الخازن رحمهم الله....
0 Comments