يعيش لبنان اليوم في ظلّ أزمة تُعتبر من أصعب الأزمات منذ نشوء الكيان ، انهيار سريع في كلّ القطاعات وتفكّك للمؤسّسات وعجز عن إنتاج الحلول ، لدرجة أنّ أكثر المتفائلين غير قادر على توقّع تأليف حكومة لا تعدو كونها إبرة مورفين تسكّن آلام الانهيار لأسابيع معدودة .

في تحليل أسباب الأزمة ، يتشابك الاقتصادي بالسياسي والداخلي بالخارجي والشخصي بالطائفي ، حيث إنّ الجميع يرمي الكرة على الجميع ، أمّا الحقيقة فهي عجز الجميع .
ولكن تعطّل كلّ شيء يعود إلى سبب جوهري هو غياب النظام أو غياب أسس العمل ، فاللبنانيون اليوم يختلفون على كلّ شيء ولا مرجع يحكم بينهم ولا نصّ صالح يمكنهم العودة إليه . لبنان اليوم ما زال يعيش في ظلّ دستور «الطائف» الذي مضى على توقيعه ثلاثون عاماً ، والآن انتهت صلاحيّته وشرعيّته ليس لأنّ المجتمع تطور إلى درجة تنتفي معها صلاحية النص ، بل لأنّ هذا الاتفاق كان عبارة عن تسوية في ساحة صراع وبين لاعبين ، واليوم بقيت الساحة ، لكنّ وجه الصراع اختلف واللاعبين تبدّلوا ..
بالعودة إلى النص ، يمكن اختصار «الطائف» على أنّه تعديلات دستورية نقلت الصيغة الطائفية من الخمسة وستة مكرّر إلى المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في كلِّ من مجلسَي النواب والوزراء ووظائف الفئة الأولى .
بالإضافة إلى سحب عدد من الصلاحيات الواسعة التي كانت بِيَد رئيس الجمهورية وإعطائها لمجلس الوزراء مجتمعاً . ناهيك بأنّ «الطائف» من حيث النص أيضاً قد اعتبر المناصفة صيغة مؤقّتة وحثَّ على الانتقال من الدولة الطائفية إلى دولة المواطنة ، عبر إلغاء الطائفية السياسية وانتخاب مجلس نواب لا طائفي بموجب قانون يعتمد الدوائر الكبرى ، مع الحفاظ على الصيغة التعدّدية عبر إنشاء مجلس شيوخ تتمثّل عبره الطوائف .
كذلك، دعا إلى الانتقال من المركزية الى اللامركزية الإدارية الموسّعة .
بقي «الطائف» ثلاثين عاماً في صيغته المؤقتة ، مع أنه يحمل في طياته كلّ الإصلاحات التي يُجمع اللبنانيون على أنّ تطبيقها هو جزء من الحل .
وقد كان واضحاً على مدى ثلاثين عاماً من عمر «الطائف» أنّ البعض ذهب إلى لعبة تجاذب بعض هذه الإصلاحات والتمترُس خلفها ليذود عن نفسه تطبيق إصلاحات أخرى . فالمسلمون مثلاً لا يتخوّفون من إلغاء الطائفية السياسية ، بينما يتمترس المسيحيّون خلف اللامركزية ، بل يحاول بعضهم توسيعها إلى حدود الفدرالية التي يرفضها المسلمون . إذاً من حيث النص ، فإنّ «الطائف» غير عاجز عن تقديم الحلول ، ولكن تنقصه اليوم الضمانة الدولية التي فرضته بعد الحرب .
بعيداً عن صلاحية النص ، فإنّ «الطائف» جاء على أثر تسوية أميركية - سوريّة ، كنتيجة للأمر الواقع الذي فرضته الحرب الداخلية ونتيجة ظروف إقليمية أدت إلى تقارب الجهتين . هذه التسوية تُرجمت بتقاسم النفوذ في الساحة اللبنانية، بأن يقوم السوري بضبط الإيقاع السياسي الداخلي اللبناني عبر جيشه المتواجد في لبنان ، بينما يضمن الأميركي نفوذه عبر رجل الأعمال رفيق الحريري الذي يدير النظام الاقتصادي اللبناني .
في خلفية هذه التسوية ، كان الطرفان يراهنان على عملية سلام في المنطقة تشمل سوريا ولبنان . ولكن هذه التسوية بدأت بالتآكل سريعاً إلى أن وصلنا إلى اليوم الذي أصبحت فيه شيئاً من الماضي .
أولى خيبات هذه التسوية كانت بعد انتهاء مسار السلام وموت إسحاق رابين في عام 1995 . بعدها حاولت أميركا فصل المسار اللبناني والسوري ، وهذا ما واجهته سوريا حينها بشعارات «وحدة المسار والمصير» و»الشعب الواحد في بلدين» .
عام 2000 شهد حدثين مهمّين ، هما تحرير جنوب لبنان وموت الرئيس حافظ الأسد .
اعتبرت أميركا ، حينها ، أنّ من الممكن استثمار الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان لفصل المسار اللبناني عن المسار السوري .
وهنا يتذكّر الجميع كيف انقسم اللبنانيون على لبنانية مزارع شبعا التي كانت الواجهة للقول إنّه لا يمكن إخراج لبنان من الصراع .
هنا عادت أميركا للتحرّك على الساحة السياسية اللبنانية ، فجمعت بعض الأطراف والشخصيات التي اعتبرت أنّ «الطائف» كان هزيمة لها من مسيحيين وبعض الشيوعيين . فأتت قرنة شهوان أولاً وما تبعها .
كان الهدف البدء بتحجيم النفوذ السوري ، الأمر الذي واجهته القيادة السورية الجديدة بتخبّط وتجربة زيادة النفوذ عبر أدوات أمنية أدّت إلى تصدّع علاقتها بكثير من القوى السياسية المحلية .
أمّا على الصعيد الخارجي ، فقد كانت هناك محاولة لإعادة إطلاق مسار سلام جديد ، عبر مبادرة السلام العربية ، ولكن هذه المبادرة كانت ضعيفة ومن طرف واحد ، أي أنّ الإسرائيلي والأميركي لم يبديا أيّ حماسة للتجاوب معها .
لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أنّ النفوذ الإيراني في لبنان بدأ يزداد تدريجياً في عهد القيادة الجديدة لسوريا . و هذا ما تُرجم على الأرض بتغييرٍ نوعي وكمّي للسلاح الذي يصل إلى المقاومة في لبنان ، الأمر الذي كان يخضع سابقاً لضوابط حدّدها الرئيس حافظ الأسد ، واختفت في ظلّ القيادة الجديدة .
عام 2005 شكّل نهاية تسوية «الطائف» عملياً ، باغتيال رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان ، أي أنّ الركيزتين العمليّتين اللتين بُنَي عليهما «الطائف» قد هُدمتا . تبدّل الوضع السياسي الداخلي أيضاً مع عودة ميشال عون ، وإطلاق سراح سمير جعجع .
انتهى دور سوريا المحدّد بتسوية «الطائف» كضابط إيقاع للحياة السياسية ، وانتقلت إلى دور محدود كداعم لبعض الأطراف .
انتهت الحريرية السياسية لكن الحريرية الاقتصادية أكملت مسارها بمفعول رجعي ، أي أنّ سياسات الاستدانة نفسها استمرّت من دون أيّ رؤية لتسوية سياسية أو إقليمية تمنع انفجار هذه السياسات كما كان يخطط الحريري المؤسِّس . حتى إنّ الأميركي كان راضياً عن استمرارها للمحافظة على نفوذه أو لاستخدامها في ما بعد .
بعد عام 2005 ، يمكن ملاحظة الفراغ الذي تركه السوري حيث دخلت البلاد في دوّامات من الفراغ السياسي والتعطيل لم تنته حتى يومنا هذا .
حاول البعض ملء الفراغ الذي خلّفه غياب السوري عن المشهد ، عبر صيَغ لتسويات إقليمية مثل السين - سين .
هذه التسويات أثمرت حلولاً موضعية ، لكنّها لم تؤدّ إلى صيغة جديدة متوازنة ، وذلك بسبب عدم رضى الأميركي لأنّ هكذا تسويات لا تضمن أمن إسرائيل ، خصوصاً بعد هزيمتها في عام 2006 و تعاظم قوة المقاومة ونفوذ إيران في لبنان .
فقد أدى تراجُع الدور السوري في لبنان إلى زيادة النفوذ الإيراني ، وكان دخول حزب الله إلى الحكومات بعد عام 2005 من تجليات هذا التحوّل .
مع هذا التحول ، بدأ لبنان بالانتقال من ساحة لصراع سوري - أميركي مضبوط باتفاق «الطائف» إلى ساحة لصراع إيراني - أميركي لا ضوابط ولا تسوية تحكمه .
بكلام آخر هنا ، بدأ «الطائف» يخرج من الخدمة في الصراع الدولي حول لبنان . كان هذا التخبّط السياسي سيّئاً ، ولكن من إيجابياته أنّه أتاح الفرصة لأن يكون كلّ اللبنانيين داخل الملعب بكامل قواهم من دون إقصاء أو تهميش .
وهذه كانت المرة الأولى منذ تأسيس الكيان بعد تهميش الشيعة قبل عام 1975 ، وإقصاء المسيحيين في فترة 1990 - 2005 .
تلك الفترة كانت تشهد تبدّلاً استراتيجياً في السياسة الأميركية والإسرائيلية ، بعدما تأكّدوا من خروج الأنظمة العربية كافّة من دائرة الصراع ، واعتبروا أنّ الأنظمة الحالية قد أدّت كلّ الخدمات المطلوبة منها وحان دور تغييرها عبر ما يسمى «مشروع الشرق الأوسط الجديد» ، الذي بدأ مع احتلال العراق في عام 2003 ، واستُكمل في ما بعد بثورات «الربيع العربي» ، وربّما نشهد خواتيم تجلياته اليوم عبر موجة التطبيع الجديدة .
بقيت سوريا هي العثرة الأساس أمام هذا المشروع ، فأتت الحرب السورية في عام 2011 . «الربيع العربي» والحرب السورية أخرجا سوريا من الساحة اللبنانية بشكل نهائي ، وتضاءل نفوذها فيه إلى أدنى مستوياته .
هنا، كان الرهان الأميركي على أنّ التغيير في سوريا سيتبعه تغيير في لبنان . فترة الحرب السورية أطالت عمر اتفاق «الطائف» كاتفاق بلا مفاعيل على الأرض ، وكانت فترة كباش سياسي مستمر في لبنان .
ولكنّ التدخّل الإيراني وتدخّل حزب الله في الحرب السورية حوّلا لبنان بشكل كامل إلى ساحة صراع أميركي - إيراني .
هنا ، عاد لبنان إلى الساحة الأمامية ، بعد سنوات كان فيها ساحة خلفية للصراع .
أتت «ثورة 17 تشرين» كـ»ربيع عربي» متأخّر في لبنان ، ولكنّها كانت أضعف من أن تُسقط النظام الطائفي ، ليس لأنّه نظام قوي بل لأنّه مختلف عن الأنظمة الديكتاتورية التي صُمّمت من أجل تغييرها عبر هذا النوع من الثورات .
عادت أميركا إلى لبنان لتستخدم وديعتها المتبقية وهي النظام الاقتصادي . وضعت الدولار مقابل السلاح على طاولة السياسة ، ما أدّى إلى الانهيار الاقتصادي الحالي .
وهذه كانت رصاصة الرحمة على ما تبقّى من تسوية «الطائف» ..
هكذا ، بعد ثلاثين عاماً من «الطائف» ، لم يبقَ من رعايته الدولية شيء . النظام السياسي الممسوك سورياً ، انتهى في عام 2005 ، والنظام الاقتصادي الممسوك أميركياً انتهى في عام 2020 .
كذلك ، لم يُطبّق «الطائف» و بقي في حدود حلوله المؤقتة التي تكرّس الطائفية ، ما أعاد الجميع اليوم إلى نقطة الصفر ، نقطة اللانظام والتفكير بنظام جديد .
وعند الحديث عن نظام جديد، هناك عدد من الأفكار التي يتمّ تداولها ، ومنها :
١ - طرح المُثالثة الذي يقترح الخروج من المناصفة بين المسلمين والمسيحيين ، إلى توزيع مقاعد السلطة مثالثة بين الشيعة والسنة والمسيحيين .
هذا الطرح الذي لا يتبنّاه أحد بالعلن ، يُستخدم في الإعلام من خصوم حزب الله على أنّه طرح شيعي أو طرح حزب الله كبديل عن «الطائف» .
وقد بدأ الحديث عنه مع بدايات أزمة «الطائف» في عام 2007 في مؤتمر سانكلو . بغضّ النظر عمّا إذا كانت صيغة المثالثة مطروحة فعلياً ، أو أنّ طرفاً ما يتبنّاها ، إلّا أنّها طرحٌ مأزوم يأخذ لبنان من صيغة طائفية إلى صيغة طائفية أخرى .. هذه الصيغة تُطرح في الإعلام لتخويف اللبنانيين من أنّ الشيعة يريدون استثمار فائض قوّتهم ، لكن لنسلِّم جدلاً أنّ اللبنانيين تقبّلوا هذه الصيغة ، ماذا ستكون النتيجة ؟
إنّ كلّ الصيغ الطائفية لا تعدو كونها حلولاً مؤقتة لمشكلة دائمة ، لأنّ ربط الديموغرافيا المتغيّرة بمعادلة توزيع ثابت سيؤدّي إلى خلل عاجلاً أم آجلاً .
فالمثالثة التي تعبّر اليوم عن نسبة الناخبين من الطوائف الثلاث ، لن تكون كذلك بعد سنوات ، وبالتالي هناك إعادة إنتاج الأزمة ، فهل سنذهب حينها إلى المرابعة أو نعود للمناصفة ؟؟؟
٢ - طرح الفدرالية قديم ، يعود إلى فترة الحرب وما قبلها ، فالفدرالية هي ترجمة عملية للتقسيم .
يأتي هذا الطرح عادة من «اليمين» المسيحي ، ويُطرح بالعلن من بعض الشخصيات الأكاديمية والسياسية .
لهذا الطرح جذور تاريخية تعود إلى زمن المتصرّفية وإشكالية ضمّ المسلمين إلى «لبنان الكبير» ، في حين أنّ بعض المسيحيين يرون الحل في الانعزال عن المحيط الإسلامي في كانتون منفصل يحظى برعاية وحماية دولية لمسيحيي الشرق ، كما كان سائداً إبّان فترة الحكم العثماني . وفي التاريخ الحديث تجدّد هذا الطرح مع الرغبة في الانفصال عن القضية الفلسطينية ، إبّان الحرب الأهلية ، ذلك أنّ بعض المسيحيين يعتبرون أنّهم غير معنيّين بتحمّل تبعات هذه القضية . واليوم أيضاً ، يُعتبر الانفصال عن الصراع أحد المولّدات الأساسية لهذه الرغبة .
في المقابل ، يرى المسلمون ، وخصوصاً الشيعة ، في هذا الطرح خطراً كبيراً عليهم ، حيث إنّه سيسهّل عملية حصارهم في كنتون صغير تسهل معاقبته وإخضاعه .
يتلطّى بعض دعاة الفدرالية بشعار المطالبة باللامركزية الموسّعة . واللامركزية شعار مطّاط يبدأ بلا مركزية إدارية تسهّل تخليص المعاملات بعيداً عن المركز ، وينتهي بأمن ذاتي و مرافق باستقلالية مالية .
اللامركزية كشعار طُرح في اتفاق «الطائف» يتطلّب توافق جميع اللبنانيين على ما سيبقى تحت إدارة الدولة المركزية في الإدارة والمال والأمن والعلاقات الخارجية ..
٣ - طرح الدولة المدنية ، التي بالمناسبة لا يوجد تعريف سياسي علمي محدّد لها . فالدستور اللبناني هو دستور مدني ، بمعنى أنّه لا يستمدّ التشريع من نصّ ديني .
تبقى المشكلة ، هنا ، في المواد المؤقّتة المتعلّقة بالتوزيع الطائفي وقانون الأحوال الشخصية الذي وُضع في عهدة المؤسّسات الدينية . لذا ، فإنّ الأصحّ هنا تفصيل طرح الدولة المدنية عبر نقطتين :
إلغاء الطائفية السياسية، وقانون موحّد للأحوال الشخصية في المحاكم المدنية .
وهذا ما سيؤدّي إلى تعزيز مفهوم المواطنة ، حيث يمكن للمواطن أن يتعامل مع الدولة بصفته مواطناً لبنانياً فقط من دون الحاجة إلى التعريف عن انتمائه الطائفي كما هو الحال اليوم . هذا الطرح هو عملياً تطبيق لاتفاق «الطائف» ، ولكن رغم أنّ غالبية القوى السياسية تنادي بتطبيقه في العلن ، إلّا أنّ الاختلاف ظاهرياً على تراتبيّة التطبيق هو ما عطّل تطبيقه . فالبعض يقول إنّه يجب إقرار الزواج المدني قبل إلغاء الطائفية السياسية ، والبعض قال يجب إلغاء الطائفية من النفوس قبل النصوص ، وهو بما معناه وضع العربة أمام الحصان .
لكن خلف هذه الخلافات الظاهرية مخاوف وجودية ، هي أنّ إلغاء الطائفية السياسية سيؤدي إلى ديمقراطية عددية ، تؤدّي حكماً إلى هيمنة المسلمين وهم الأكثر عدداً على القرار اللبناني . ينبغي الإشارة هنا إلى أنّ اتفاق «الطائف» لحظ هذه المخاوف ، فكان لهذه الغاية اقتراح إنشاء مجلس شيوخ تتمثّل فيه الطوائف بغضّ النظر عن الأحجام ، ويكون مرجعاً في القرارات المصيرية .
ولكن هنا أيضاً ، من يحدّد القرارات المصيرية؟
إذاً «الطائف» من حيث النص يعطي حلّاً مقبولاً يحافظ على وحدة لبنان ويعالج شيئاً من مشكلته الطائفية الأزلية .
ولكن هذا النص بحاجة إلى تطوير كبير في نقطتين ، هما اللامركزية ، وتحديد القوانين التي يتم العودة بها إلى مجلس الشيوخ .
ومن شأن هاتين النقطتين إعطاء ضمانات مطمئنة للمسيحيين من أجل السير في إلغاء الطائفية السياسية .
وهكذا ، فإنّ «الطائف» قابل للعودة إلى الحياة ، ولكنّ تطبيق بنوده الداخلية ليس من مصلحة أيّ طرف خارجي . فالأميركي مثلاً ، يرى أنه استثمر كامل أوراقه في الأزمة الحالية ، ولا يمكن أن يسمح بالخروج من الأزمة من دون تحقيق مكاسب في تسوية جديدة سيكون أمن إسرائيل في رأس قائمتها .
أما الفرنسي الذي حاول أن يتدخّل لدفع العجلة اللبنانية قدماً ، فقد اصطدم بالحائط الأميركي وخرج أو سيخرج قريباً .
إيران التي لا تتدخّل فعلياً في تفاصيل السياسة ، لن تقبل بتسوية تحرمها من موقع نفوذها المتقدّم على حدود الكيان الصهيوني .
أمّا العرب ، فهم فعلياً خارج دائرة القرار حالياً ، فيما عدا مناكفات الأمراء الجدد المبنية على نكايات وأحقاد من دون سياسة محدّدة واضحة المعالم .
يعمل اللبنانيون، اليوم ، وكأنّ أمامهم حلّاً واحداً ، هو انتظار تسوية خارجية تأتي بعد إدارة أميركية جديدة أو اتفاق نووي جديد ، لكنّ هذا الحل ، وإن أتى ، لن يكون بمستوى فرض «طائف» جديد أو إحياء «طائف» قديم ، بل سيكون تأجيلاً لدفن «الطائف» الحالي الذي مات منذ خمسة عشر عاماً ..
النظام الجديد ربما يحتاج إلى ما هو أكبر من تسوية إقليمية على ملفّات خارجية في اليمن وإيران . فالأطراف الدولية ممكن أن تستسيغ فكرة الاقتتال الداخلي اللبناني للوصول إلى تسوية جديدة حول لبنان .
لن تكون الخاتمة بدعوة كلاسيكية إلى الحوار والتلاقي ، ولكن على جميع اللبنانيين أن يفكّروا جدّياً في أساس أزمتهم وبدء العمل على النظام الجديد ، مستغلّين الفرصة التاريخية بتواجدهم جميعاً على الساحة السياسية اليوم .
ربما إنّ حواراً جدياً بشأن شكل اللامركزية وصلاحيات مجلس الشيوخ ، يمكن أن يكون مدخلاً جيّداً لإعطاء ضمانات كافية للمسيحيين تدفع بهم للانتقال إلى نقاش آليات إلغاء الطائفية السياسية ، وبالتالي تحضير صيغة النظام الجديد بلا اقتتال وبأثمان قليلة .