الإتفاق الثلاثي  حبيقة


 ذكرى ٣٥ سنة على نهار ١٥ كانون الثاني المشؤوم ..

لن نناقش مضمون الاتفاق و لا بنوده ، و لن نناقش الطريقة الديموقراطية التي تم اعتمادها للتصويت على الاتفاق داخل الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية ، كما اننا لن نذكر أسماء الفعاليات المسيحية من رأس هرمها السياسي و الديني و التي وضعت في أجواء و إطار الاتفاق قبل توقيعه ، و لا حتى ظروف القوات اللبنانية الخاصة اكانت مالية أم سياسية و خلافها ، كما أننا لن نذكر أيضا فوائد الاتفاق على لبنان عامة و المسيحيين خاصة و على القوات اللبنانية بالأخص ، مقارنة باتفاق الطائف الذي ورثه فيما بعد ،
كما لا حاجة لنا لمناقشة إن كان جهاز الأمن و رئيسه على دراية مسبقة بنيتكم إسقاط الاتفاق الثلاثي بقوة الدم و بنكران الإنجيل المقدس ، و لن نناقش قرار ايلي حبيقة بعدم اتخاذ اجراءات عسكرية مسبقة لإفشال مشروعكم العسكري عبر شل قدراتكم سلفا لأنه لم يكن يؤمن بإهدار الدم بين أفراد و عناصر القضية الواحدة ،
كما لا حاجة لنا لنذكر ما هي ذيول إسقاط الاتفاق الثلاثي بالطريقة التي اسقط بها و ما تلاها من أعمال وحشية على الأرض ، و لن نذكر أيضا وضع المنطقة الشرقية سياسيا و امنيا ما بعد إسقاط الاتفاق الثلاثي : هل كانت متماسكة كتماسكها قبل و لحظة إسقاطه ؟ هل بقيت مصانة أمنيا من خروقات أو تفجيرات اكانت عسكرية أو أمنية ؟
كما إننا لن نناقش من يتحمل تبعات توقيع الاتفاق الثلاثي ، فالذي وقعه ، أي رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية ايلي حبيقة ، تحمل مسؤولية توقيعه بنفسه و ذلك عندما صرح علنا ، و قبل التوقيع ، أنه سيتحمل تبعات توقيع الاتفاق شخصيا ، و هذا ما فعله عندما ابدى استعداده لمغادرة لبنان ،
بينما ، و في نفس كلمته يومها ، وعد بأن يستفيد كامل المجتمع المسيحي من الاتفاق ، و بالأخص القوات اللبنانية التي كان يمثلها ، في حال طبق الاتفاق ..
و كم من اتفاق وقع و لم ينفذ .. و الطائف مثال حي ..
حتى لن نناقش ما كانت خطط ايلي حبيقة في حال اسقط الاتفاق ؟ هل كان لديه تخطيطا مسبقا بالصعود إلى زحلة و إنشاء مجموعات عسكرية و إعلان حزب الوعد ؟ بالطبع لا ،
و الدليل لماذا غادر البلاد لمدة طويلة و لم ينتقل إلى زحلة مباشرة ؟
كل ذلك سنقفز فوقه ، لنسأل سؤالا واحدا وحيدا :
لماذا جرى الانتقام من أفراد و عناصر و مسؤولين في القوات اللبنانية و بطريقة وحشية بعد إسقاط الاتفاق ؟ و لماذا ما زال البعض ، و حتى يومنا هذا ، يحتفلون بإسقاط الاتفاق ؟؟؟
في ذلك النهار ، موقع الاتفاق نفسه ، المرحوم ايلي حبيقة ، كان بالكاد يبلغ من العمر ٣٠ عاما ، فما بال أعمار بقية الشباب الذين جرفتهم المقاومة ليكونوا بالصدفة في عداد جهاز الأمن أو في بعض الوحدات التابعة له ؟ شباب ، كغيرها، تركت مقاعد الدراسة و التزمت البندقية دفاعا عن الوجود ..
هل هؤلاء الشباب الشهداء قرأوا الاتفاق الثلاثي و وقعوا عليه
كي يتم الانتقام منهم ؟ هل هؤلاء الشباب الشهداء كانوا يقاتلون مثلا و لنفترض أنهم خسروا المعركة ، هل عقابهم داخل المؤسسة هو الرمي بالرصاص أو الرمي بالبحر ؟
مئات من الشباب اعدمت و جرى تصفيتها بعد خروج ايلي حبيقة من مبنى جهاز الأمن و لمدة أشهر بعد خروجه ، لماذا ؟
هل كنتم تظنون أن الشباب الذين قتلتوهم كانوا متمسكون و لو ببندا واحدا من بنود الاتفاق الثلاثي ؟ هل كنتم تظنون انهم حتى قرأوه ؟ أو ربما كانوا يهددونكم بتطبيق الاتفاق الثلاثي بالقوة ؟
بعد ٣٥ سنة من هذا النهار الطويل المشؤوم ، تنقشع الرؤية و ينجلي دخان قصفكم ، و تستكين قلوب أمهات الشهداء و بعضها قد توقف عن النبض منذ زمن ، و تجف الدماء عن الجدران و الطرقات ، و تهترىء الجثث في قاع البحار ، و قد تجف الدموع دون أن تنطفىء الذاكرة ،
فيظهر إلى العلن غباءكم و حقدكم و استراتيجياتكم الفاشلة في القبض على القرار السياسي بالقوة و مهما كان الثمن ،
فلا ثمن يضاهي ثمن تربع الشيطان على عرش السلطة بزرع الحقد و الكراهية و الانقسام بين أبناء الإله الواحد ..
من ٣٥ سنة و ما زلتم باستراتيجية حاقدة واحدة ، لم تنفعكم في وقتها ، و الأحداث السياسية التي تلتها خير شاهد و دليل ، و لن تنفعكم اليوم أو غدا ..
فاصحاب الحقوق سلاطين عند ربهم و دماؤهم أمانة لديه ..
" أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار "
شعار استعمله الكثيرون ، لكنه شعار طبقه واضعه فقط :
لأجل أمن المجتمع المسيحي وقع الاتفاق الثلاثي ،
و لأجل أمن المجتمع المسيحي ترك اعلى سلطة و غادر ..
و لأجله استشهد .