حارسة الهيكل

 من كتاب "جنفياف بيار الجميّل حارسة الهيكل" للكاتبة ماريا شختورة

كان الشيخ بيار الرجل، في توحده التام، مابرًا على ارتقاء درجات السلّم الاجتماعي، في حين أن زوجته المتحدّرة من وسط أكثر يسرًا لم تكن تشعر بمثل هذه الحاجة. الست جنفياف التي تربّت أشبه بفتاة وحيدة مدلّلة، فنشأت قويّة الشخصيّة، حريصة على استقلالها، كانت تفعل كل ما في وسعها منعًا لأي ملاحظة يوجّهها إليها زوجها حول حسن إدارة منزله. كانت تعتز، على طراز الأمهات اللبنانيّات، بإنجاز واجباتها كربّة عائلة على أتمّ وجه، حريصة بذلك على تفادي أي مجادلة أو تعليق يكسر ذلك الصمت الثمين الذي بنيا علاقتهما عليه. أمّا بالنسبة للشيخ بيار المنشغل دومًا بتطوّرات غير متوقّعة سواء في صفوف حزبه أو على الصعيد الوطني، فقد كان يريحه أن يجد نفسه معفيًا مسبقًا من كل ما يتعلق بتربية الأولاد وإدارة المنزل.
يرى المقرّبون منهما انهما "كانا يعيشان معًا، كل على انفراد". اعتاد الاستقلالية في العلاقة الناتجة عن تربية أخلاقية متشابهة وأتاحت لكل منهما الاحتفاظ بأنانيّته الصغيرة. لن يدري أحد ما إذا كان أي منهما قد عانى، يومًا، من هذه المسألة.
ربّت جنفياف أولادها على التحفّظ ذاته في التعبير عن العواطف والافصاح عن حقائق لا يجدر قولها، خشية من الألسنة المتربّصة في منزل تتردّد اليه هذه الأعداد من الناس. كان من الطبيعي في بيت الجميّل ألاّ يدلّل الوالدان أطفالهما. كما انهما لم يكونا يؤنّبانهم. فالعقوبات والمكافآت كانت تتقرّر بهدوء ورويّة، من دون غضب أو فيض حنان. والعاطفة العميقة التي يكنّها الزوجان لأولادهما لم تكن تعني دلعًا بلا جدوى.
حرصت الوالدة على أن تتلقّى بناتها الأربع دروسهنّ في مدرسة العائلة المقدسة الفرنسية ذاتها حيث درست هي نفسها، وهي مدرسة أكثر تواضعًا من مدرسة الناصرة التي لا تدخلها سوى بنات أثرياء الطبقة البورجوازية. هذا الخيار يعكس بشكل جليّ بساطة جنفياف. "كانت رئيسة راهبات الناصرة تعلّق أهمية كبرى على وجاهة العائلات التي ترسل بناتها الى مدرستها. أصرّت مرارًا على أن تستقبل في مدرستها بنات رئيس حزب الكتائب الذي كان يتصدّر غالبًا أخبار السياسة المحليّة. أجبتها انه لم يكن في مقدوري، وأنا أم لعدد كبير من الأولاد، أن أدفع أقساطًا مدرسية باهظة مثل أقساط راهبات الناصرة. "لا بأس، ردّت، لا عليك سوى أن تضعي في ظرف مبلغًا يوازي ذلك الذي تدفعينه في مدرسة العائلة المقدسة". أجبتها ان الأقساط المدرسيّة تدفع مرّة لا غير، لكن ما أرفضه لأولادي على الأخص هو نمط حياة يعيشونه كل يوم".
"شقيقاتي وأنا كنّا من تلميذات الناصرة وكانت ذهنيتهّن تختلف كليًّا عن ذهنيتي. كنت أعرف جيدًا في الواقع ان المشكلة الحقيقية لم تكن القسط المدرسي، بل المحيط الاجتماعي. فالفتيات عند راهبات الناصرة في وسعهّن اختيار ثيابهنّ لدى أفضل مصممي الأزياء، استقبال صديقاتهنّ ببذخ وإصدار الأوامر الى خدم مدرّب أفضل تدريب يحقّق أدنى رغباتهنّ. لديهنّ سائقون وسيّارات فخمة. كما ان مواردهن تسمح لهنّ بالقيام برحلات الى الخارج، وهنّ يخرجن غالبًا ويعشن في التهاون والاستهتار" .....