لا تُخفي أكثر من جهة سياسية خطورة ما يحصل على الساحة اللبنانية، وصولاً إلى تداعيات حرب غزة عربياً وإقليمياً ودولياً، لا سيما على لبنان الحلقة الأضعف، والذي يبقى عرضةً لكل الإحتمالات وقابلاً لأي مُعطى سياسي وأمني، خصوصاً بعد الرسائل التي تلقتها قيادات سياسية ومرجعيات رئاسية حالية وسابقة من أصدقاء مشتركين من الخارج، تشي بأنه خلال الأسابيع المُقبلة قد تحصل تطورات ميدانية إذا بقيت الأمور على ما هي في الساحة الجنوبية وإن كانت ضمن قواعد اللعبة، ما يعني بعد الإجتياح البري لغزة ان الأمور قد تتغير على الحدود الشمالية.

هذا ما ينقله بعض السفراء المعتمدين في لبنان من أن الحشود الاسرائيلية على الحدود مع لبنان استعدادا لما بعد الإجتياح البري لغزة تدل على معطيات من شأنها أن تُشكل واقعاً خطيراً اذا كانت اسرائيل بصدد "الحركشة" لإشعال الساحة الجنوبية وحماية مستوطناتها الشمالية التي تُشكل وفق المحللين الاستراتيجيين سياسياً وعسكرياً إحراجاً كبيراً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث مستقبله السياسي "على الأرض"، بمعنى انه يريد حماية المستوطنات على الحدود مع لبنان بعد الخرق الكبير في غلاف غزة، ولهذه الغاية فالوضع الداخلي في غاية الدقة.

في السياق، تقول مصادر سياسية مطلعة لـــ"النهار"، إن البلد غير متروك وثمة أجواء من داخل الجامعة العربية تُفيد بأن مساعد الأمين العام أحمد أبو الغيط السفير حسام زكي، يقوم بدور كبير لمواكبة ومتابعة نتائج قمة الرياض العربية والإسلامية، لا سيما حيال الملف اللبناني من أجل عدم إقحام لبنان في حرب ليست لديه القدرة على تحمّل تبعاتها، ومن شأن نارها أن تصل الى كل الساحات العربية، وهذا ما دفع زكي إلى تفعيل حركته الديبلوماسية بعيداً عن الأضواء والإعلام، ومن غير المُستبعد أن يزور لبنان وربما أيضاً الأمين العام اذا استدعت الظروف، الأمر الذي سيتقرر على ضوء تنفيذ مقررات الجامعة العربية من خلال لجنة متابعة عبر زيارات الى واشنطن وباريس ودول أخرى من أجل ردع اسرائيل عن إبادة الشعب الفلسطيني.

توازياً، حظيت زيارة السفير السعودي في لبنان وليد بُخاري إلى السفير الفلسطيني أشرف دبور باهتمام إذ كان هناك تصريح للسفير بخاري حمل اكثر من اشارة في شأن متابعة نتائج قمة الرياض والحرص على القضية الفلسطينية ومناصرة الشعب الفلسطيني والتضامن معه.

وستكون للسفير السعودي تحركات مكوكية مع مرجعيات سياسية وروحية ولقاءات واتصالات على اكثر من خط واتجاه لتأكيد وقوف الرياض إلى جانب الشعب الفلسطيني قولاً وفعلاً، وصولاً الى الداخل اللبناني، وهنا بيت القصيد، إذ تشير معلومات موثوق بها الى أن الملف الرئاسي موضوع في الثلاجة ولا صوت يعلو على صوت حرب غزة، علما ان الرياض مع انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت، وقد قالها مسؤول سعودي: "نحن نريد انتخاب الرئيس الماروني الوطني العربي من أجل ان يكون هناك رئيس يقوم بدوره على أعلى المستويات، حيث الوضع في لبنان غير مقبول في ظل الظروف التي يعيشها، ما يحتاج الى الإلتزام بتنفيذ الاستحقاقات الدستورية، والمسألة الأبرز تكمن في عدم إقحام البلاد في حروبٍ لا تتحملها نظراً الى ما يُحيط بها مَن أزمات على غير صعيد".

وتضيف المصادر ان اللقاء الذي حصل بين الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على هامش قمة الرياض اكتسب حيزاً من الاهتمام العربي والاقليمي واللبناني نظراً الى دور ايران في لبنان و"مونتها" على "حزب الله". وفي حين كثرت التحليلات والقراءات حول لقاء بن سلمان ورئيسي فإن حراكاً كبيراً سيبرز على الأرض نتيجة هذا اللقاء، اذ جرى اتفاق على خطوات تُعتبر في غاية الايجابية على صعيد لبنان إلا انها بعيدة عن الاضواء والإعلام ومواكبتها مستمرة على أعلى المستويات، لكن حرب غزة وتداعياتها وما يحصل في الجنوب اللبناني، قد يكون من الأولوية، إنما ثمة سعيٌ لتمرير الملف اللبناني وأن تحصل الاستحقاقات الدستورية قريباً وتحييده عن الحرب، وثمة اتفاق بين الجانبين حول هذه المسائل.